البحيرة

beautiful blue lake

عرض كل المقالات بالعربية

ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”

أليسا ويلز

أليسا امرأة كفيفة منذ طفولتها. وهنا تكتب قصة جميلة عن ذكرياتها في إحدى العطلات التي قضتها عند البحيرة وهي طفلة.

تصف أليسا الأصوات والمشاعر التي تتذكرها من طفولتها بقرب البحيرة، وتشرح كيف أن كل شيء بدأ من نقيق الضفادع وصولا إلى التزلج على المياه، يمكن أن يشكلوا تجارب وخبرات تعليمية.


عندما علم الأبوان بأن طفلتهم الصغيرة ستفقد بصرها إلى الأبد، بكيا ودعا الله أن يمدهما بالقوة. والطفلة التي كانت بالكاد تقف على قدميها الصغيرتين، والتي بدأت لتوها بمد يدها للعبث بالأشياء اللامعة، والتي تشير إلى شجرة كرز متفتحة الأزهار، سريعا ما ستغرق في الظلام الدامس. تضحك وتلعب وهي بين ذراعي والدها الذي يضمها بقوة إلى صدره. لا تشعر بألم والدها، فقط تشعر بحبه لها. وكذلك هي لا تفهم حزن وأسى والدتها، فقط تشعر بشجاعتها. إن الطفلة الصغيرة الضاحكة المتقافزة ليست حزينة ولا مبتئسة، لم تتعلم بعد القلق والضيق، ولن تستسلم لليأس. لم ترى أبدا دموع والديها، ولا تدرك قلق أخويها الأكبر العميق البادي على وجهيهما. هي فقط تتفاعل مع أصواتهم المألوفة لديها وتستأنس بلمساتهم ورغبتهم في اللعب معها ومشاركتها الألعاب.

ترغب يداها في استكشاف كل شيء. هي طفلة ذكية لامعة فضولية وتتقبل واقعها بصورة فطرية. لا تعلم شيئا عن مستقبلها وتعيش اللحظة فقط. لم تبصر عيناها مدة طويلة أو بوضوح يكفي لأن تفتقد مقدرتها على الإبصار. هي تسمع الأصوات، وخطى الأقدام، والموسيقى، وغيرها من الأصوات في المنزل، وفي الخارج تسمع أصوات العديد من السيارات والطائرات وغيرها من أصوات الشارع. تشتم رائحة الكعك والعطور، والصابون والسجاد والأثاث. معظم الأشياء لها رائحة. تلمس شعرها ووجه أمها وجروها وتضرب بأصابعها على لعبة البيانو. ترغب في الحديث والتواصل وأن تكون جزءا من كل شيء.

ليست خائفة، ولا تشعر بالصدمة. تتقدم إلى الأمام بحذر، ثم بثقة أكبر. تشعر أسرتها بالذهول منها أولا، ثم بالإعجاب. ثم يشعرون يقينا بأن ابنتنا ستحظى بحياة عامرة. أبي يحمد الله أن السرطان الذي حرم طفلته من عيونها أصبح جزءا من الماضي، ولا يشكك في حكمة الله وقدره بل يشعر بالبركة والرضى لهذه الطفلة النابضة بالحياة!

ذات يوم زارت العائلة أصدقاء لهم كانوا يعدون لرحلة بالقرب من بحيرة جميلة، فهؤلاء الأصدقاء يقضون الصيف بأكمله هناك. والطفلة الصغيرة الكفيفة أليسا فضولية دائما. وكانت تطلق صيحات الفرح عندما تلمس مياه البحيرة وتشعر بتموجاتها اللطيفة. تستمع إلى صوت سمكة تقفز من المياه ثم صوت طرطشة المياه عندما تعود إليه. عندما تستمع لصياح البط، تقلده ثم تنفجر ضاحكة ولا يتمالك من حولها أنفسهم إلا أن يضحكوا لضحكها. تعلمت أنه عندما تحرك يديها وقدميها، يمكنها أن تطشطش الماء وتنثره! هذه بحيرة، كأنها الجنة بالنسبة إليها! وعندما يحل الغسق، يبرد الهواء وترتفع تغريدات الطيور. تعرف ألسا عن أصوات الطيور وتبتسم بابتهاج وفرح. وقبل أن يعود الجميع إلى الداخل بعد انتهاء النزهة، تصل أصوات ضجة جديدة لمسامع أليسا، نداء أو أنين خفيف، إنه ضفدع الثور الأمريكي! لا يمكنها تقليد صوت الضفادع، لذلك تصيح كما البط. كلا إليسا، هذا الصوت ليس صياح البط، إنه صوت ضفدع كبير! تعرف الطفلة الآن الفرق بين الأصوات التي تصدرها الضفادع والبط، ولكنها لا تعرف ما هي تلك المخلوقات التي تصدر هذه الأصوات. لقد لمست الكلاب والقطط ولعبت معها، وكذلك لعبت بالعديد من الحيوانات القطنية، ومن ضمنها فقمة ذات زعانف، ولكنها لم تقابل من قبل بطة أو ضفدعا.

تكتسب أليسا المزيد والمزيد من الكلمات، وأحدث الكلمات التي تعلمتها هي البحيرة، وكما تقول وهي تتناول فطورها في صباح اليوم التالي في كوخ أصدقاء العائلة الذين استضافوهم خلال عطلة آخر الاسبوع. ألهمت فرحتها البادية للعيان، وحاجة والديها إلى موقع دائم للإجازة بالخطط لبناء كوخهم الخاص بهم. ستعني البحيرة الحرية والاسترخاء والاستجمام. وخلال سنتين، اكتمل بناء الكوخ الصيفي، وأليسا تمشي وتتحدث وتجري وتتقافز. البحيرة هناك، وعندما خطت أليسا بضع خطوات خارج الباب الأمامي وعبرت الفناء الاسمنتي، مشت 80 خطوة حتى وصلت لضفة البحيرة. ولمدة من الزمن، كانت تتبع مسارا محددا بحبل تمسكه لتصل إلى وجهتها. الحبل متصل بكرسي في الفناء الأمامي حيث يمكنها الجلوس والانتظار والاستماع إلى صوت البحيرة. هي تفهم أن البحيرة دائما في الخارج مباشرة أمامها حيث تجلس، ولكن أحيانا تكون البحيرة ساكنة ومسالمة، بدون أي إشارة إلى اتساعها وضخامتها. وبالقرب من الضفة، تكون المياه ضحلة وموحلة. بنيت هناك بطة خشبية يمكن لأليسا الجلوس عليها وتدلية قدميها، ولكنهم حذروها من القفز للمياه. وهي طفلة مطيعة، ولكن بإمكانها مد يديها إلى المياه من حيث تجلس، ويمكن أن تسمح بوصول المياه إلى بطنها على الرغم من كل تحذيراتهم لها من الصخور الحادة، واحيانا كانت تدلي ذراعيها أيضا.

تحب أليسا البحيرة والتواجد حولها. يقع كوخهم على قناة مائية بالقرب من البحيرة، وعلى طول جانبي القناة توجد أكواخ جيرانهم الصيفية البسيطة. بدأت أليسا بالتعرف على أصواتهم، وتجيب تحيات أقرب جيرانها عندما تسمع أصواتهم. أهلا جوي، أهلا سيد سميث، ودائما ما يردون عليها بمرح. وبين الفينة والأخرى، تسمع صوت دوران ترس الصنارة، فتتذكر جدها الذي يحب صيد السمك! ثم تقوم جدتها بإعداد السمك لطبخه وتناوله. تحب أليسا تناول السمك، باستثناء حسك السمك، والذي ما تتم إزالة غالبه لها، ولكنها تتجهم عندما يطلب منها جدها لمس السمك. الأسماك زلقة وملمسها مزعج.

يمكن لأليسا أن تلعب في فناء الكوخ بمفردها، ثم العودة لتناول طعام الغداء، أو تناول الغداء في الخارج على طاولة النزهات العائلية. تتشكل في ذهنها صورة للفناء ويمكنها إيجاد الأرجوحة التي صنعها لها والدها من الحبال معلقة بصورة آمنة على شجرة البلوط. يمكنها الاقتراب من البحيرة بحذر والعودة منها بدون خوف. خصوصا أثناء أمسيات ما بعد الظهر، حيث تتراقص الرياح على صفحة المياه محدثة بعض الأمواج الصغيرة. تغمرها أشعة الشمس الدافئة وهي تتأرجح جيئة وذهابا، وتغني لنفسها، وقد راقها كيف يتأرجح شعرها الذي ربطته إلى الخلف كذيل حصان. أشترت العائلة شيئا أضاف للبحيرة المزيد من الإثارة! إنه زورق بمحرك! يقود أبي الزورق، ويدير عجلة القيادة لتوجيهه، ويتهادى الزورق على صفحة المياه. ترغب أليسا دوما في الجلوس على جانب الزورق لتستمتع بالرذاذ الذي يغسل وجهها وشعرها أحيانا. تبدو البحيرة عظيمة الحجم، وتسمع هدير محركات زوارق مختلفة الأحجام من حولها. المياه عميقة، ولذلك يمكن للمراكب الإسراع والتزلج على المياه بسهولة. الجو رطب وثقيل، صاخب ومبهج! للبحيرة جرف رملي حيث يمكن للمراكب التوقف للاستراحة، إنه هناك حيث يلقي أبي مرساة معدنية على أحد جانبي الزورق، حيث تسقط المرساة لتستقر في القاع حتى يثبت الزورق في مكانه. يتهادى الزورق ويتأرجح متمايلا، ولكن لا يمكنه الإفلات من قبضة المرساة. يذكرها ذلك بجروها سيندر، الذي تربطه أحيانا برباط لا يمكنه الفرار منه. يمكن لأليسا ترك الزورق والطفو بمساعدة من العوامة. يمكنها السباحة وضرب المياه. ولاحقا عندما تكبر، ستلمس قدميها القاع الرملي أسفل المياه.

لهذه البحيرة شاطئ للعامة حيث يستلقي الناس ليتشمسوا على المرج العشبي. وهناك درجات تؤدي إلى منطقة السباحة، وعلى جانبي هذه الدرجات يمتد جدار بحري إلى ما لا نهاية، كما تتخيله أليسا. تتفحص أليسا الجدار بيديها وتعثر على بعض الحلزونات الصغيرة المتشبثة بالجدار في قواقعها التي تحملها على ظهرها. وقد تبدأ حلزونة دبقة بالظهور، ولكن إذا ربتت أليسا على قوقعتها فسرعان ما تعاود الاختباء بداخلها وتحكم إغلاق قوقعتها! لقد علموا أليسا احترام احتياج الحلزون للأمان، ولذلك فهي لا تحاول انتزاع الحلزونة من قوقعتها. كما أن أخاها يغيظها ويقول بأن الحلزونات لديها أسنان حادة وستعضها.

إن تجارب أليسا حول البحيرة وفيها كلها سعادة محضة. تشعر بأنها أخف وأكثر حرية وأسعد في المياه منها على اليابسة. لا يؤذيها الماء ولا يتسبب لها بجروح ولا يدفعها للسقوط. الماء لين وناعم ويتجاوب مع تحركاتها. تناديها المياه وتتحدث إليها وهي تصطدم بطرفي الزورق. تعلمت السباحة فوق وتحت المياه، وتثق بمقدرتها على السيطرة على المياه. إن المياه كريمة معها وتحميها. يمكنها القفز والطفو والشقلبة. يمكنها النط والانجراف بعيدا في المياه والسعي خلف التيارات الدافئة والباردة في البحيرة. إن المياه على بشرتها مهدئة ومريحة!

تهز أصابع قدميها في المياه وتضربها بقوة وأحيانا ترتشف بعضا منها مع أنهم حذروها ألا تفعل ذلك! تضرب سطح الماء وتركله بقوة لتحركه. لا تشعر بالخوف، وهي تقفز موجهة رأسها نحو الماء أولا ويديها مشبوكتان معا وذراعيها مستقيمين ورأسها منثني تجاه صدرها حتى تقطع صفحة الماء بطريقة سلسة ولتتفادى الشعور المؤلم المحرج الذي ينتابها في بطنها! كما ان ترك المياه أمر رائع أيضا، وجسمها يقطر ماء ينساب حتى أسفل جسدها. تقول لأمها أنها لا ترغب في تنشيف جسمها بمنشفة حتى تظل مبللة، خصوصا إذا كانت شمس الصيف حارة! وإذا ما اقتربت عاصفة رعدية، يجب على الجميع ترك البحيرة فورا والتوجه للمنازل للابتعاد عن الخطر.

تخشى أليسا البرق لأن أحدهم قال لها أنه يحرق مثل النار! وعلى أية حال، وبعد انقضاء العاصفة تكون البحيرة منتعشة، وهادئة ساكنة. تتخيل أليسا نفسها سمكة أو فقمة، أو ربما طائر مالك الحزين.

علمها أبواها الكثير عن الطيور، لأنها تحب أصواتها، والعديد منها ينسج أعشاشه حول البحيرة. وعلى الرغم من أنها لا تستطيع رؤية الطيور، إلا أن اختها تحضر لها ريش ومجسمات أنواع عديدة من الطيور. تصمم أختها مجسمات الطيور من الورق والطين، وأليسا ترغب في صنع الطيور كأختها. يمكنها سماع بعض الطيور وهي تطير، وهي ترفرف بجناحيها وهي تقترب من أوعية طعام الطيور. أحيانا تنقر الطيور على الأوعية وهي تحاول إزالة البذور وكسر القشور. تحب أليسا الريش الناعم، تستكشف أحجامه وأشكاله وتحتفظ به في صندوق للأحذية. ستقتني في يوم من الأيام طائر كناري، أو ببغاء. نعم، في يوم من الأيام، كما وعدتها أمها، وإن كان ذلك مشكوكا فيه. ستقتني أليسا بعد ذلك بطة كانت تعيش على ضفاف البحيرة، والتي تم ترويضها جزئيا، ولكنها لا تعتبر حيوانا أليفا. وعندما تبلغ أليسا الخامسة من عمرها، ستميز أصوات طيور أبي الحناء، وطائر الكاردينال، وطائر النمنمة، والطائر المحاكي، ونقار الخشب، والغراب، والشحرور ذو الجناح الأحمر. وفي الليل، تجلس لتستمع إلى نعيب البوم وصياح طائر السبد الليلي.

ما زالت أليسا تحب البحيرة وتودعها ثقتها. ستتعلم التزلج على الماء عبر الامساك بحبل مربوط إلى زورق. تتدفق المياه على جانبيها بينما يسحبها الزورق بسرعة إلى الأمام. يمكنها أن تفتح ذراعيها عندما تكون المياه ساكنة، ولكن إذا كانت هناك زوارق كثرة من حولها فسيموج الماء وقد تفقد توازنها وتسقط. وبعد التمرين النشط للتزلج على المياه، تنام أليسا نوما عميقا ولذيذا، لتحلم في البحيرة الرائعة التي تحبها، كأفضل صديقة لها بقلب محب مفتوح.

.Read this article in English