آثار أقدام

baby feet with sand

عرض كل المقالات بالعربية

ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”

جوين اس

ذهبت آيفي الأسبوع الماضي في أول رحلة لها إلى الشاطئ. في الحقيقة، كانت أول إجازة لها، وإجازة استحقتها عن جدارة. وكعادتها أدهشتني كثيرا. لقد أرتني طفلتي التي تبلغ من العمر سنة وخمس شهور، وتزن قرابة 18 كجم، أهم ما في الحياة.

دعونا نعود إلى الخلف ونستذكر بعض الأحداث. بعد ولادتي مباشرة أهدتني صديقتي سارة نسخة من قصيدة آثار أقدام على التراب.

كانت قراءة تلك القصيدة للمرة الأولى بعد ولادة آيفي لحظة خاصة مليئة بالإيمان، وألصقتها لاحقا في ألبوم صور آيفي.

لا أستطيع أن أقول لكم كم مرة قرأتها في السنة الماضية، بحثا عن ما يريح نفسي المتعبة. قرأت هذه القصيدة مئات المرات قبل مولد آيفي، ولكن بعد ولادتها تكشفت لي معاني جيدة تماما في هذه القصيدة. فجأة كنت أنا الشخص الذي يمشي وحيدا.

العزلة. الوحدة. الانفصال. الافتراق.

هذه الكلمات تصف الحياة، أحيانا، مع طفل من ذوي الإعاقة. يبدو وكأنك قد تُركت لوحدك. وكأنهم وسموك بخصلة شديدة الندرة والحدوث مثل مرض انعدام المقلتين، والوحدة تشتد عليك. أحيانا تتضخم الحالة حتى تصل إلى حدود لا تطاق ولا يمكن فهمها.

أحيانا أحتاج إلى من يقول لي “أنا أفهمك”، وأن يعنيها حقا، خصوصا خلال أسبوع مثل الأسبوع الذي أصيبت خلاله آيفي بنوبات صرع مما ضيق الخناق علي أكثر. أراد طبيب الأعصاب محاولة عزل نوع الصرع الذي تصاب به آيفي على وجه التحديد، وعلى أية حال، يتعين عليه القيام ببعض الأبحاث. كما أنها أصيبت بالتهاب المسالك البولية.قضينا يوم الجمعة في إجراء فحوصات بالموجات فوق الصوتية بسبب ذلك. والآن يتعين علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كانت آيفي تعاني من مشاكل في كليتيها. وعلى الغالب فهي لا تعاني من أية مشاكل في الكلى. أمضت السنة الماضية بدون أية مشاكل في كليتيها أو مثانتها. ومع ذلك، فقد حذرنا الطبيب من أنه مع مرور الأيام قد نكتشف مشاكل صحية جديدة. لذلك، بقيت ثلاث أيام أخرى ونعرف النتيجة. أشعر وكأن الجدران تطبق علي أكثر وأكثر.

اختناق

ولكن لنعد إلى الحديث عن الشاطئ.

حملت آيفي في وقت مبكر من أحد الصباحات، وذهبنا إلى الشاطئ. لم يكن هناك أحد سوى بعض الذين يمارسون رياضة الجري الصباحية. تمشينا على الشاطئ لبعض الوقت، ثم وصلنا إلى مكان مواجه لمسكننا، وهناك انحنيت حتى تقف آيفي على الرمال وتلامس الأمواج اللطيفة قدميها. وبينما كانت المياه تغمر قدميها الصغيرتين، وتغوصان أكثر وأكثر في الرمال، ثبتت نفسها أكثر، ومالت برأسها إلى أحد جانبيه، وهي تركز بازدياد. لقد كانت مأخوذة تماما.

Baby feet in sandاغرورقت عيني بالدموع وأنا أشاهد آيفي تستمع للأصوات باهتمام، وتشتم الماء وتشعر بالرمال من تحت قدميها. ولسبب أجهله عاودت التفكير في تلك القصيدة وأنا منحنية على ابنتي هناك. غالبا ما تكون الصباحات المبكرة على الشاطئ هادئة جدا. وعندما وقفت لأعود إلى الداخل، ألقيت نظرة أخيرة على الشاطئ، وحينها أدركت أن كل ما جاء في القصيدة صحيح ، إلا أنها اغفلت شيئا مهما للغاية.

تقول القصيدة: عندما ترى خطوات شخص واحد، فذلك لا يعني أنك وحيد، فالله معك. وعلى أية حال، فقد كانت هناك آثار أقدام لا تعد ولا تحصى على الشاطئ في ذلك الصباح الباكر على الرغم من عدم وجود أحد. لم يكن الله معنا فحسب، بل كنا محاطون بكل اولئك الذين يشاركونا حياتنا اليومية، سواء كان تواجدهم مقصودا أو بالصدفة، وفقط إذا سمحنا لهم بالتواجد من حولنا.

اعتقد أنه على طول الطريق أمامنا يوجد الكثير من الأشخاص، والملائكة إن شئت، ليساعدوك ويمدوا يد العون إليك. هؤلاء الذين يمرون على حياتنا يوميا، يتركون نفس الأثر في قلوبنا. قد لا يمكنهم ان يحلوا محلي وأن يشعروا بحقيقة وحجم ما اعانيه أحيانا، ولكن العديد منهم في الواقع أمهات وبإمكانهم تخيل ما أشعر به. وهم أيضا أصدقاء يجلسون أحيانا على جنب ويشعرون بقلة الحيلة، وأحيانا يشعرون بالسعادة الغامرة عند سماع أخبار جيدة. هذه لحظات إيمانية أيضا.

عادة ما يهزني الغرباء بشدة ليعيدوني إلى الواقع ويذكرونني بأنني أنا من اتخذ قرار تصور نفسي وحيدة في رحلتي. ذهبنا الأحد الماضي إلى المطعم لتناول العشاء في طريقنا إلى المنزل ونحن عائدون من الشاطئ. كنا على وشك المغادرة عندما استوقفتنا سيدتان مسنتان لتسألانا ما إذا كانت آيفي تعاني من مشاكل في عينيها. وبينما كانت أمي تحمل آيفي، شرحت لهم حالة آيفي ووضعها الصحي وأجبت على العديد من الأسئلة حول حالتها الصحية. كلاهما هزتا رأسيهما وذكرتا أنها طفلة معجزة.

وأخيرا، تساءلت إحدى السيدتين ما إذا كان بإمكانها وضع يدها على آيفي والدعاء من أجلها، وهكذا وضعت السيدتان يديهما ودعا الله لها. وهناك في المطعم بدأتا بالدعاء بصوت عالي لابنتي. شاهدت كيف قاومت أمي دموعها. شاهدت آيفي تبتسم بينما تلمس السيدتان الغريبتان يديها وقدميها وهما تدعوان الله لها.

يوم الأحد بينما جلست أشاهد آيفي تمر بنوبة الصرع للمرة الثانية، فكرت بتلك السيدتين. جلبت لي ذكراهما الطمأنينة- لا الوحدة.

إننا محاطون بأناس مستعدون ويرغبون في حمل أحزاننا معنا. بعضهم يأتي على شكل غرباء- وآخرون نسميهم أصدقاء. وفي كلا الحالتين، وهبنا الله أشخاصا مميزين للغاية كوسائل ملموسة تدلنا على أننا لا نخوض معاناتنا لوحدنا. هناك آخرون من حولنا. أحيانا يتعين عليك البحث عنهم، وأحيانا هم يعثرون عليك.

.Read this article in English