حسنا يا أبي، متى سأذهب لركوب الأمواج؟

surfboards

ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”

عرض كل المقالات بالعربية

كتبه: إريك فازيلياسكاس

ظهرت هذه المقالة أول مرة في المجلد 26 للعام 2007، من مجلة تأملات في المستقبل. للاشتراك في مجلة تأملات في المستقبل، اضغط هن.

يتمتع الأطفال الصغار، سواء كانوا مبصرين أو مكفوفين، بفضول فطري لمعرفة المزيد عن العالم من حولهم. ولذلك فهم دائما ما يطرحون الأسئلة ويرغبون في فعل هذا أو تجربة ذاك. وفي حين أنه من الأهمية بمكان تهيئة المناخ الذي يشجع الأطفال المكفوفين ويدعم رغبتهم في الاستكشاف، إلا أن مثل هذه المساعي أحيانا لاختبار أمور وخبرات جديدة قد تفاجأك. واليكم كيف تعاملت مع أحد هذه الطلبات المفاجئة.

<pقبل عدة شهور، تمت دعوتي لإلقاء محاضرة في مؤتمر طبي في هاواي، وصحبني في تلك الرحلة زوجتي وولداي فيجاس وبيتراس. أذكر أنه بدأ عرض فلم ديزني “ليلو وستيتش” في ذلك الاسبوع بالذات. لم أتفاجأ أبدا بعد انتهائنا من القراءة والاستماع في نفس الوقت إلى الإصدار الصوتي من فيلم “ليلو وستيتش”، أن يسألني ابني الدائم الفضول والذي سيلتحق بالصف الأول قريبا: “أبي، ماذا بالضبط يعني ركوب الأمواج؟”

بذلت قصارى جهدي لأجيبه وأشرح له ونحن نقطع الطريق بالسيارة. فيجاس يعرف مسبقا ألواح السباحة، لأننا قد ناقشنا قبل الرحلة أن لوح البوجي كان نسخة مكبرة من لوح السباحة والذي يمكنك أن تستلقي عليه لتركب الموجة. شرحت له أكثر بناء على هذه المفاهيم أن لوح التزلج كان نوعا مشابها للوح البوجي ولكن أطول بكثير وبدلا من الاستلقاء عليه، فانت في الواقع تقف عليه لتتمكن من ركوب الموجة.

وبما أنني كنت اعرف إلى أين ستصل بنا هذه المحادثة، قررت أن اغير مسار النقاش استباقيا بأن أؤكد له بأننا سنذهب لركوب الأمواج لاحقا في ذلك الأسبوع، وأن هذا النشاط سيمنحه شعورا بماهية الركمجة. نجح هذا التكتيك جزئيا، وأنا متأكد من أنها كانت اللحظة الأولى التي بدأ فيها فيجاس يحلم بركوب الأمواج.

لا يمكن اعتبار الاجازة في هاواي إجازة بدون حضور حفل لواو. وكجزء من الاحتفالات قبل موعد العشاء، وإلى جانب مشاهدة عروض الرقص والآلات الموسيقية الهاواية، والفنون الحرف المحلية، فإن أهم شيء بينهم كان ركوب الأمواج. لم يسبق لفيجاس أبدا أن أمسك بلوح تزلج، وما أن خفت الحشود حول العرض، مشينا باتجاه راكب أمواج شاب كان مسؤولا عن العرض.

وبطريقته المعتادة بدأ فيجاس المحادثة وأمطر الشاب بوابل من الأسئلة حول الركمجة. وعندما ركب فيجاس على أحد تلك الألواح، بدأت بإصدار اصوات تشبه صوت أمواج البحر وبدأت بتحريك اللوح من تحته لأحاكي حركة الأمواج حتى اعطيه الاحساس بكيفية ركوب الأمواج، وبدا واضحا كم كان مفتونا ومتحمسا.

وبعدها انتهز ابني البالغ من العمر خمس سنوات الفرصة وسألني: “حسنا أبي، متى سأذهب لركوب الأمواج؟” فعلت ما كان أي أب لطفل حديث التخرج من الحضانة ليفعله في مثل هذا الموقف، وحاولت أن أكلمه بالمنطق حيث أن اليوم قد شارف على الانتهاء: “سنذهب لركوب الأمواج في المرة القادمة التي نزور فيها جزيرة هاواي”. وكترضية له، اقترحت عليه أن نركب لوح البوجي في اليوم التالي، وأيضا مركب التجديف.

وفي الواقع فقد استمتعنا كثيرا في صباح اليوم التالي. استأجرنا مركبا للتجديف لشخصين. جلس فيجاس في الأمام مرتديا سترة النجاة، وجلست أنا خلفه. وبينما كنا نجدف في الخليج الساكن، تناقشنا حول أمور السلامة في البحر، وأخبرته قصصا من أيام شبابي عندما كنت أعمل كحارس إنقاذ. وقرابة نهاية رحلتنا، ضربتنا موجة مارقة من الخلف.ولحسن الحظ، لاحظتها في الوقت المناسب لأصرخ بفيجاس أن يتمسك جيدا بقدر استطاعته. ارتفع الأدرينالين عندي، وملت بكل قوتي على المجداف. حملتنا الموجة بكل ما في الكلمة من معنى وارتفعت بنا إلى الأمام باتجاه الشاطئ. بدا وكأننا كنا نركب الأمواج بمركب التجديف، وإلى هذا اليوم أعجب كيف تمكنا من البقاء في المركب بوضع مستقيم.

وبعد أن خفت حدة حماسنا، شرحت لفيجاس كيف كنا سنتعامل مع الموقف لو تعرضنا لسقوط كبير. خطر لي أنها كانت فرصة كبيرة ليتعلم درسا حقيقيا عن الحياة. وهكذا، وبعد التشاور مع فيجاس، ما أن وصلنا إلى المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ، قلبنا المركب معا- عمدا. ثم بعدها شرحت له كيفية إعادة المركب لوضعه الصحيح، وكيف يسحب نفسه من المياه ويتسلق المركب من جديد. شعر فيجاس بالكثير من الحماس بعد هذه التجربة، لدرجة أننا كررنا هذه الحركة عدة مرات بناء على طلبه.

بعدها ذهبنا لركوب لوح البوجي. لم يتوفر من بين الألواح المعروضة للإيجار سوى ألواح للكبار، وبدا واضحا أن فيجاس لم يكن طويلا بما يكفي ليضرب الماء برجله أو حتى أن يتمكن من تثبيت اللوح، ولا أن يتمكن من مواجهة الأمواج الكبيرة في هذا الخليج. اكتشفنا أنه لو استلقى على اللوح، واستلقيت أنا أعلاه مباشرة، حينها سأتمكن من دفع الماء وركوب الأمواج. وبهذه الطريقة تمكنا من ركوب الأمواج الكبيرة معا. ركبنا بعض الأمواج العظيمة، وغلبتنا بعض الأمواج الأخرى. كان فيجاس يشع فرحا مساء ذلك اليوم وهو يروي لأمه وأخيه الأصغر عن مغامراتنا. ولكن مع أن فيجاس استمتع كثيرا بركوب لوح البوجي، إلا أنه أدرك أنه لم يكن مشابها لركوب الأمواج.

Vejas surfing.

حسنا، وكما جاءت مشيئة القدر، قررنا أن نذهب في إجازة حقيقية لمدة اسبوعين (لا عمل هذه المرة) إلى كاواي (أقدم جزيرة في أرخبيل هاواي) في الصيف التالي. ما أن أقلعت الطائرة حتى توقف فيجاس عن قراءة الكتاب الذي طبعته له أمه بطريقة برايل ليستمتع بقراءته أثناء الرحلة. أدار رأسه ناحيتي وبطريقة مركزة مد يده يتلمس وجهي وأداره بلطف ناحيته ليتأكد من أنه حصل على اهتمامي الكامل. (اتساءل من أين تعلم هذه المناورة؟”. ثم طرح سؤاله مباشرة، السؤال الذي بلا شك ظل يختمر في رأسه منذ أن بدأنا التخطيط لهذه الرحلة: “حسنا أبي، متى سنذهب لركوب الأمواج؟” أكدت له أننا سنتناقش في هذا الموضوع حالما نصل إلى هاواي.

وبعد انقضاء أسبوع من الرحلة، سألني فيجاس مجددا: “حسنا أبي، في أي يوم يبدأ درسي في ركوب الأمواج؟” أدركت حينها أنه لا يمكنني التهرب من المسألة. بحثت في ذلك المساء في أكوام الكتيبات والمطويات الدعائية التي جمعناها ووجدت إعلانا مشوقا لدروس يعطيها راكب أمواج حاصل على بطولات عالمية.

نؤمن أنا وزوجتي راسا أنه يحق لأطفالنا الحصول على نفس الخبرات التي يمكن للأطفال الآخرين الحصول عليها. وفي ذلك الوقت، كنا قد التقينا أو سمعنا عن مكفوفين رائعين وعن انجازاتهم الرائعة. وعليه فقد توصلنا لقناعة راسخة وايمان عميق أنه لا يوجد شيء لا يمكن للشخص الكفيف القيام به إذا امتلك الإرادة والعزيمة لتنفيذه. حتى أنني أخذت فيجاس للتزلج على الجليد معي عندما كان في الثالثة من عمره بعد أن ألهمتني كارا دن-ييتس وعائلتها. ومع ذلك، وعندما رفعت السماعة لأتصل بالرقم المدون في الإعلان، بدأت بتخيل ردة فعل الشخص الذي سيرد على الهاتف. لم أكن أطلب دروسا في ركوب الأمواج لطفل يبلغ السادسة من عمره فقط، ولكنه كفيف أيضا. ولكن يا للمفاجأة السارة، السيدة التي ردت على اتصالي بتحية ودودة “ألوها” وهي تحية أهل هاواي اختصرت الموضوع في خطوة واحدة. عاودت الاتصال بي خلال ساعة وأعلمتني أنها رتبت لدرس ركمجة خاص.

وبعدها بأيام، استيقظنا باكرا جدا وقدنا السيارة لمدة 45 دقيقة متجهين إلى شاطئ بويبو، حيث قابلنا في تمام السابعة صباحا مدرب فيجاس، السيد ميجول. نشأ ميجول وترعرع في هاواي وبدأ بتعلم الركمجة في سن صغيرة جدا حتى أنه لا يتذكر كم كان عمره عندما وضعه أباه على لوح الركمجة لأول مرة. وقد أمضى ميجول سنوات طويلة في مجال الركمجة الاحترافية. لديه ولد يبلغ من العمر 9 سنوات بدأ بتعليمه الركمجة مذ كان في الثالثة من عمره على نفس هذا الشاطئ.لم يبدو ولو للحظة قلقا حول قضية عمى ولدي. طرح اسئلة لائقة بطريقة لبقة. أراد معرفة مدى إجادة فيجاس للسباحة، وسر جدا عندما علم أن فيجاس يتلقى دروسا رسمية في السباحة مذ كان عمره ثلاث سنوات ونصف. تساءل ما إذا كان فيجاس يمتلك بقايا بصرية تمكنه من التمييز بين الماء والرمال ولوح الركمجة، وأجابه فيجاس بأنه يستطيع رؤية النور فقط.

بدءا التدريب على الأرض لمدة نصف ساعة حيث سمح ميجيل لفيجاس باستكشاف كامل اللوح. شرح له بأن مقدمة اللوح تسمى الأنف، بينما نهايته تسمى الذيل. وتعلم منه فيجاس أن جانبي اللوح أو القضبان مهمان للغاية لأن هذه المنطقة هي التي تحقق التوازن. وظهر اللوح هو المكان الذي تقف عليه.

ثم انتقلوا إلى كيفية التموضع على اللوح. طلب من فيجاس الاستلقاء على اللوح وأن يتمسك بالمقبضين الجانبيين وأن يمد أصابع قدميه تجاه ذيل اللوح. ثم طلب منه أن يبدأ بوضعية التجديف والتظاهر بأنه يركب الموجة. شرح له ميجيل حينما كان فيجاس يتصدى للموجة للمرة الأولى أنه يحتاج إلى ان يموضع ذراعيه في وضعية الدفع ثم يطفو في وضعية ركوب الأمواج. (يتعين علي أن اعترف أنه كان ممتعا بالنسبة لي أن استمع من شخص آخر إلى أهمية تموضع الجسم والرأس.) ثم استمرا في التدريب وقد بدا ميجيل نوعا ما كرقيب عسكري، يعطي أوامره لفيجاس شفويا، ويرشده عن طريق اللمس للوثب واستكمال التموضع الصحيح على اللوح مرارا وتكرارا حتى تمكن فيجاس من اتقان هذه الحركة وتكرارها تلقائيا.

بعدها نظر إلي ميجيل وأعلن أن الوقت قد حان للتخرج، والانتقال بالدرس إلى مياه المحيط. اختار منطقة بالقرب من الشعاب المرجانية حيث الأمواج الخفيفة. أمرني ميجيل أن انتظر في المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ لأمسك بفيجاس عند عودته. راقبتهما وهما يبتعدان أكثر في المياه وأنا اجهز كاميرا التصوير. ومن بعيد، وجه ميجيل مقدمة اللوح تجاه الشاطئ.

Vejas surfing.

وأخيرا عندما وصلت الموجة الصحيحة، دفع ميجيل اللوح بلطف إلى الأمام، وعندها تولت الموجة ومعها فيجاس زمام الأمور. وفي أول محاولة له، دفع فيجاس بذراعيه، ثم حرك قدميه لموضعهما الصحيح. كانت قدماه مثنيتان بشكل صحيح ورأسه يتطلع للأمام وهو يتموضع بصورة صحيحة أقرب للكمال على اللوح.

أشعر بالخجل نوعا ما لأن اعترف بأني لم أكن على استعداد كامل لما تلى ذلك. كنت في الواقع مفتونا جدا مخلوب اللب، ولم انسى أن أشغل الكاميرا فحسب، ولكني ظللت أشاهد فيجاس يتزلج ليتجاوزني. وبينما كنت أحييه، نسيت تماما أنه تعين علي الامساك به. ثم فجأة ارتعد جسمي واستيقظت من نشوة إعجابي بابني بعد ذلك بثواني معدودة عندما اصطدم أنف اللوح بحاجز رملي وأندفع فيجاس فجأة إلى الأمام ليسقط عن لوحه. يالله!

أسرعت إليه راكضا، وحتى قبل أن اسأله عن حاله، سألني: “هل رأيتني يا أبي؟ أريد أن أقوم بهذا مرة أخرى!” ليتكم رأيتم السعادة على وجهه، والإحساس الطاغي بالإنجاز بعد أن ركب موجته الأولى، وهو واقف، راكبا موجته على طول الطريق إلى الشاطئ. كان، كما يقول أهل كاليفورنيا، “مأخوذ تماما!” كانت محاولة أولى مثالية حد الكمال. تزلج لمدة ساعة في ذلك الصباح وأخذ نصيبه من الطرطشة وضربات المياه حتى في أفضل محاولاته.

أنا أيضا كنت شديد الابتهاج وكلي فخر أبوي حتى نهاية ذلك الدرس، وأنا أشاهد الابتسامات على وجوه المارة الذين تنزهوا على الشاطئ في ذلك الصباح الباكر، مندهشين وهم يشاهدون هذا الطفل ذو الست سنوات ونصف يحقق أحد أحلامه ويواصل بكل حماس رغم ما يتلقاه من ضربات. ظللت اتخيل ما كانت ستكون عليه ردود أفعالهم لو علموا أن هذا الصغير كفيف أيضا.

كانت تجربة عززت من الثقة بالنفس! فقد خلق إنجاز فيجاس إحساسا فوريا بالاحترام له بين أقرانه.

وخلال ليلة توجيه وإرشاد الآباء بعد ذلك اليوم بأسابيع، خصص لي المعلم خمس دقائق للحديث عن فيجاس وفقده لبصره فيما يخص صفه الدراسي. شرحت كيف أنه ليتسنى لفيجاس أن ينافس بنجاح في الحياة، حيث أنه سيطلب منه استيفاء نفس المعايير المفروضة على أقرانه المبصرين وعليه فمن الضروري جدا أن يتعلم كيف يعتمد على نفسه للقيام بالأمور بطريقته. كنت قد أعددت مطوية مختصرة للآباء احتوت على مواقع الكترونية موجهة للصغار تشرح العمى، وصور وتوصيف لبعض المميزين المكفوفين، والأنشطة التي يستمتع فيجاس بالقيام بها، واقتراحات حول كيف يمكن لمن يرغب من الآباء أو زملائه في الصف بالتطوع لتسهيل اندماج ابننا اجتماعيا، بالإضافة إلى حثه على الاعتماد على نفسه في الصف وخلال الأنشطة اللاصفية.

كانت صور فيجاس خلال أنشطته الصيفية أقوى جزء من المطوية. وقد أدرجنا صوره أيضا في قسم الآباء في وثيقة برنامج التعليم المنفرد للطفل IEP الخاصة بفيجاس أيضا. ولكن إلى حد ما، فإن ذلك الوصف المكتوب والشفهي لم يفي فيجاس حقه، صور ابننا الكفيف ذو الستة سنوات وهو يركب الأمواج غيرت من فورها الصورة النمطية لدى الآباء والمعلمين وموظفي المدرسة وأيضا مدرسي الطلاب ضعاف البصر. وبدأت الأفكار والانطباعات المسبقة عن حدود قدرات المكفوفين بالتلاشي من أذهانهم. وبدأت أذهانهم بالتفتح تجاه التفاعل مع ابننا، مما سمح لهم برؤيته كصبي مغامر قادر ومتحمس لتحمل تجارب الحياة.

وقد قرأنا انا وزوجتي راسا خلال تلك الإجازة للمرة الأولى القضية الاستهلالية لمجلة تأملات في المستقبل. قرأنا باهتمام وشغف كبيرين عن تجارب مكفوفين كبار، ومعلمين، وآباء لمكفوفين، وحتى الأطفال المكفوفين أنفسهم في مواضيع متنوعة متعلقة بالحياة كشخص كفيف، وتربية طفل كفيف. والأهم من ذلك كله، أن كل مقالة كتبت من منظور ايجابي، ومستنهض للهمم، وعملي، وناجح اكاديميا، وناجح في الحياة. كم كان رائعا ومريحا للقلب أن نعثر على قدر عالي التركيز من الآراء ووجهات النظر التي توافقت مع آرائنا التي طورناها ودعمتها؟

أحد الفصول في هذه القضية الاستهلالية شملت تقديم حلقة نقاشية لخمس شباب مكفوفين تحدثوا في مؤتمر الاتحاد الوطني للمكفوفين حول موضوع “الاستمتاع والاصدقاء- الاندماج معهم ومسايرتهم.” أظهر المتحدثون الشباب بشكل فردي وجماعي أنه بإمكان الأطفال المكفوفين القيام بالأمور التي يقوم بها الأطفال المبصرون. وقد ألقوا الضوء على أهمية الاستقلالية والاعتماد على الذات، وأكدوا على أن العمل بجد واجتهاد على تعزيز مهاراتهم كمكفوفين لا يسهل عليهم تحقيق استقلاليتهم فحسب، ولكنه أيضا يعزز ثقتهم بأنفسهم واندماجهم اجتماعيا.

أثناء رحلة العودة إلى المنزل، قرأت رسالة كل طفل لفيجاس. استمع فيجاس بشغف لكل التفاصيل، وكان متحمسا جدا للـ”اللقاء الافتراضي” مع كل واحد من المقدمين الشباب الذين كانوا مثله مكفوفين ويشاركونه الكثير من اهتماماته. إن الاثر العميق الذي تركه كل من آدم وبريان وجينيفير ونويل ولورين لدى ابني سرعان ما أًصبح واضحا عندما التفت إلي بعدها وتساءل بحماس وجدية، “لهذا السبب كنت ترغب في أن اعتمد على نفسي أكثر!” نعم، فهؤلاء الخمسة تمكنوا من نشر هذه الرسالة وإشعال الرغبة الداخلية للسعي لزيادة الاستقلالية والاعتماد على الذات لدى ابننا بطريقة لم يكن فيها مدرسوه ونحن كآباء مبصرين قادرين على القيام بها.

بعد ذلك قرأنا مقتطفات من عدد مرصد برايل عن عدد كبير من المكفوفين الذين تخرجوا من الثانوية العامة والكلية وحصلوا على منح دراسية من الاتحاد الوطني للمكفوفين. وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أن فيجاس تحمس لعدد الوظائف الكثيرة التي اختاروها هؤلاء الشباب والشابات ليعملوا فيها. وبينما كنت اراقبه، بدأ ظهور تحول رائع على ابني أمام عيني مباشرة- تحول أثارته قصص وطموح اولئك الأطفال والشباب المكفوفين- بدأت افهم بصدق القوة الكامنة للاتحاد الوطني للمكفوفين.

يبلغ فيجاس اليوم 10 سنوات، وهو فخور بامتلاكه لوح ركمجة طوله 7 أقدام. تلقى درسا ثانيا من ميجول بعد درسه الأول بعدة سنوات، كما تلقى مزيدا من الدروس الرسمية على يد غيره من مدربي الركمجة منذ ذلك الحين. يتعين علي أن أقر بأن فيجاس بدا وكأنه يستمتع كثيرا على الأمواج، إلى درجة أنه رغبني في ركوب الأمواج السنة الماضية. سالت فيجاس ذات مرة عن أفضل مدرب ركمجة برأيه، فأجاب بدون تردد “ميجول”. عندما سألته لماذا، فاجأني بجوابه: لأن ميجول اهتم كثيرا بأدق التفاصيل، وكان يتوقع منه الكثير.

ربما أحد أكبر القيود التي تعترض المكفوفين هو التحيز والمفاهيم المغلوطة التي تربينا عليها. وللأسف فإن هذه المفاهيم الخاطئة عن قدرات المكفوفين تنتقل من الكبار أو حتى الصغار الذين يتعاملون مع أولادنا المكفوفين يوميا بطرق مباشرة أو غير مباشرة في سن مبكرة. يعمل الاتحاد الوطني للمكفوفين جاهدا لتغيير الفكرة النمطية عن المكفوفين. أنا أؤمن بأن انجازات هؤلاء المكفوفين الشباب لها عظيم الأثر لإحداث تغيير في تصور صغار المكفوفين عن وضعهم. “التدخل الإدراكي المبكر” عبر قصص نجاحات لأقرانهم من المكفوفين يمكنها أن تكون بمثابة بذور إلهام لما هو ممكن القيام به بالنسبة لغيرهم من الأطفال المكفوفين وآبائهم ومدرسيهم.

وعليه فإنني أحث المزيد من الآباء والأطفال والمراهقين والشباب على تخصيص الوقت للكتابة ومشاركة مغامراتهم وخبراتهم للمساعدة على تطوير مصادر تركز على الأطفال والطفولة وما يمكنهم فعله والقيام به. إذا قام بذلك عدد كاف منكم، ربما يوما ما سيصبح لدينا “ركن الأطفال” في الأعداد المستقبلية من مجلة تأملات في المستقبل أو مرصد برايل.

.Read this article in English