الطفلة المعجزة: قصة أبيجيل

Abby

عرض كل المقالات بالعربية

ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”

لواندرا روث لي

امتلأ قلبي بفرح غامر عندما ولدت أبيجيل، وبمشاعر أخرى كثيرة لا يمكن تلخيصها إلا في كلمتين… الحب المطلق!

عندما وقعت في حب زوجي جوناثان، لم أصدق قوة مشاعري تجاهه، وكنت متأكدة أنني لن أستطيع أن أحب شخصا آخر بقدر حبي له.

ثم بعد مرور سنة على زواجنا، جاءت إلى الدنيا أبيجيل سندي لي.

كانت الطفلة الكاملة برموشها الطويلة الجميلة، وأصابع يديها وقدميها الرقيقة والناعمة. لقد كانت كاملة! إنها بالفعل كاملة الأوصاف!

لقد كانت صغيرتي آبي ضوءاً ساطعا متلألأ في حياتي منذ اليوم الأول لولادتها. في أصعب أيام حياتي، كل ما عليها فعله هو أن تبتسم ويشع الضوء من عينيها لترفع معنوياتي، وفي أسعد أيام حياتي هي سعادة إضافية.

عندما بلغت ابنتي شهرها الثالث، لاحظت أنها لم تكن تنظر لأي شيء أو لأي شخص. ساورت أمي مشاعر القلق تجاه ابنتي، وظلت تسألني إذا ما لاحظت أن هناك خطبا ما. ولدت ابنتي آبي مبكرا قبل موعد ولادتها بثلاثة أسابيع، ولكني افترضت أنها ستعوض نموها. وعلى أية حال، وبينما قرأت وبحثت أكثر عن نمو عيني الأطفال، علمت أنه يجب أن يكون بمقدورها الرؤية على الأقل أمامها بدءا من الأسبوع الرابع. بدأت أشعر بالقلق، ولكني دعوت الله أن تتحسن حالتها عند حلول موعد فحصها الطبي في شهرها الرابع.

عندما حان موعد الفحص، وتفحصها الطبيب، وكالعادة كان معجبا بنموها السريع وشخصيتها المرحة. ذكرت له مخاوفنا بشأن عينيها واقترح علينا رؤية طبيب عيون.

تلقيت مكالمة بعد مرور اسبوعين بشأن تحديد موعد لأباجيل في السادس عشر من مايو. مع نهاية شهر أبريل ستكون ابنتي قد بلغت شهرها الخامس، وقد بدأت أدرك أنها غير قادرة على رؤيتنا نحن أبويها، وأنها لا تستجيب للضوء.

اتصلت أكثر من مرة بطبيب العيون في محاولة للحصول على موعد أبكر، وأخبروني مرارا وتكرار بأن المواعيد محجوزة بالكامل، ولا يمكنهم تقديم الموعد. ولكن يبدو أن ربي قد استجاب لدعائي، حيث تم وضعنا في قائمة الانتظار واتصل أحدهم ليلغي موعده فتم تقديمنا إلى السابع من شهر مايو.

بقي أسبوع واحد حتى موعد طبيب العيون، وكل يوم كنت استمع إلى صوت يهمس في داخلي بأن ابنتي لم تكن عمياء. كنت احاول تجاهل تلك الفكرة، ولكنني كنت انهار باكية عندما أرى زوجي. ظل زوجي يطمئنني مرارا وتكرارا بأنهم لن يجدوا بها أية علة، ولكن في أعماق قلبي علمت بأن تلك لم تكن الحقيقة.

وحل صباح السابع من مايو 2010، واستعددنا بفارغ الصبر للموعد. جهزنا ابيجيل والبسناها وأعددنا حقيبتها، وتسلحنا بالإيمان والدعاء.

لم ننتظر طويلا، وظلت ابيجيل نائمة معظم فترة الفحص الأولي الذي أجرته لها الممرضة. حضرت الطبيبة أخيرا بعد ما بدا فترة انتظار لا نهائية. طلبت مني أن أجلس على مقعد ضخم، وأمسكت بابيجيل وأصدرت ضجة بلعبة في يدها لجعل أبيجيل تتابع حركتها. ثم سلطت الطبيبة ضوءا ساطعا على عيني ابيجيل وأنا أشاهد ما تفعل، ما رأيته أكد ما شعرت به. لم ترمش عيناها حتى، ولم تتسع حدقتا عينيها بأثر الضوء. أدركت حينها أن ملاكي الصغيرة كانت عمياء.

وضعوا بعض القطرات في عينيها، حتى يتمكنوا من رؤية أعصابها البصرية. تعين علينا الانتظار ثلاثين دقيقة ليبدأ مفعول القطرات وتتسع حدقتا عينيها. وعندما عدنا إلى الطبيبة، نظرت الطبيبة عميقا في عيني أبيجيل الزرقاء كزرقة المحيط وكأنها تبحث عن كنز مدفون. جلست د. كاثي على كرسيها وتنهدت، ثم انكفئت على أوراقها تكتب وكأن مساً من الجنون قد أصابها. نظرت إلى جون، والذي كان ينظر إلي بنفس نظرتي: “لا يا الهي…”

بعد مرور لحظات صامتة، أخبرتنا الطبيبة أن أعصاب ابيجيل البصرية كانت أصغر عشر مرات من حجمها الطبيعي. أسمته الطبيبة “نقص تنسج العصب البصري” Optic Nerve Hypoplasia(ONH)، وأضافت أن ذلك سيشكل معاناة لأبيجيل طوال حياتها.

صدمت من شح المعلومات التي قدمتها لنا. لم ترغب هذه المرأة في أن تكون ناقلة للأخبار السيئة. ضغط عليها جون بكثير من الاسئلة مرارا وتكرارا في محاولة لفهم ماهية هذا المرض وما إذا كان بإمكان ابيجيل الرؤية. بعد عشر دقائق من امطارنا للطبيبة بعشرات الأسئلة، توصلنا لإدراك أن ابيجيل عمياء، وأن هناك فرصة ضئيلة لكي تتمكن من الرؤية. حلت علي الصدمة كمظلة مطر، وألجمتني، ومنعت دموعي من التدفق.

كما أنهم قد أخبرونا بأن هناك العديد من المشاكل الأخرى التي قد تتعرض لها ابنتي بجانب مشاكلها مع مرض “نقص تنسج العصب البصري”، وأنها ستحتاج لإجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي لتصوير دماغها. كنت على يقين بأن نتيجة فحص التصوير بالرنين المغناطيسي ستكون ممتازة. فرغم كل شيء، وبصرف النظر عن عدم قدرتها على الإبصار، فقد كانت طفلتنا مشرقة ومرحة.

Abby riding on a toy busتم تحديد موعد فحص التصوير بالرنين المغناطيسي بعد أسبوعين. تعين علينا التواجد في مستشفى القديس لوكس بويس في تمام الساعة التاسعة بالضبط. وصلنا هناك الساعة 8:30. وبعد تسجيل دخولنا، أدخلونا إلى قسم تخدير الأطفال، وفحص أحد الأطباء مؤشرات آبي الحيوية. لقد أحببنها كل الممرضات! واستمروا في مدح جمالها وكيف بدت كطفلة سعيدة.

عندما رأيتها ترقد على سرير المستشفى مرتدية ثياب المستشفى، أدركت للمرة الأولى أن طفلتي لم تعد طفلة حديثة الولادة. كانت الممرضة تبتسم وهي تفرك يدي وقدمي ابنتي بمرهم مخدر حتى تتمكن من حقنها بإبرة لنقل المغذي والمخدر.

تعين انتظار المرهم لما يقرب من ثلاثين دقيقة حتى يبدأ مفعوله. مرت خمس وأربعون دقيقة. أمسك جوناثان واثنتين من الممرضات بأبيجيل بينما كانت الممرضة المعتمدة/ القانونية تستعد لحقنها بالإبرة وتثبيت الأنبوب. كانت آبي مستلقية هناك وهي تبتسم وكأنما كانوا يلعبون معها. ما أن غرزت الممرضة ابرتها في قدم آبي، حتى بدأت بالصراخ وفاضت الدموع من عينيها وسالت على وجنتيها حتى رقبتها. انفطر قلبي وجعا عليها، واستجمعت كل ما املك من قوة لأمنع نفسي من ايقافهم.

لم تجد الإبرة طريقا لها في قدم آبي، فتعين عليهم حقنها في يدها. غادرت الغرفة، ولكن عندما سمعت صياحها اضطررت للعودة والتواجد بقرب طفلتي. مسحت على رأسها وغنيت لها بينما كانت الممرضة تحاول للمرة الثانية غرز ابرتها في وريد ابنتي الصغير. وأخيرا تمكنت من غرزها، وانتهى الجزء الأسوأ من كل هذا.

بعد أن ثبتت الممرضة داني يد أبيجيل على مخدة وتأكدت من ثبات الانبوب، حملت ابنتي وضممتها إلى صدري. غنيت لها أغانيها المفضلة، وداعبت خديها الغارقين في دموعها، حتى نامت في دفئ صدري.

عادت الممرضة داني وأخبرتنا أن الممرضة القانونية جاهزة لفحص ابنتي، وأضافت كيف أن ابيجيل تبدو كملاك وهي نائمة في حضني. أرقدتها على سرير المستشفى، وتشابكنا الأيادي أنا وجوناثان في طريقنا لقسم فحص التصوير بالرنين المغناطيسي. دخلنا الغرفة خلف الممرضة وشاهدناها وهي تحقن ابيجيل بالمخدر. رأيت في عيني زوجي حبا عميقا وقلقا كبيرا على ابنته. جاء فريق فحص التصوير بالرنين المغناطيسي، وأخبرونا أن الوقت قد حان لأخذها ويتعين علي وعلى جون الانتظار في غرفة الانتظار.

وبينما توجهنا إلى الخارج، كان قلبي يصرخ أن أعود واتبعهم. اقترح جوناثان أن نذهب إلى الكافتيريا لتناول الطعام وتمضية الوقت. وهذا ما حدث، فبعد أن تناولنا الطعام كانت الساعة 11:30 صباحا، ولم يتبقى إلا نصف ساعة. عدنا إلى غرفة الانتظار وبدأنا بمشاهدة التلفاز. بدا وكأننا جلسنا هناك لمدة خمس دقائق فقط عندما رفعت رأسي للساعة ورأيت الساعة 12:10 مساء. سمعت صوت صياح خفيف، وعلمت فورا أنه صوت ابنتي.

قفزت واقفة على الفور وخرجت لأجد ابيجيل هناك وهي تعود إلى نومها. أخبرتنا الممرضة أنها كانت رائعة في الداخل ومرة أخرى قالت أن ابنتي كانت ملاكا رائعا. عندما عدنا إلى غرفة التخدير والانعاش، حملتها مجددا إلى صدري حتى تتمكن من سماع دقات قلبي. أردتها أن تشعر وتنصت إلى الحب الذي أكنه لها في قلبي.

حدثتنا الممرضة داني عن الآثار الجانبية للمخدر الذي استخدموه، وأن ابيجيل ستشعر بالتعب والفتور وستنام طوال اليوم، وأنها لن تتعافى وتعود لطبيعتها حتى صباح اليوم التالي.

انتهت مناوبة الممرضة داني، وحلت محلها الممرضة بيجي، التي استمرت بقول نفس الأشياء التي ذكرتها داني. وبعد أن انتظرنا طويلا حتى تستيقظ آبي، اعطتنا الممرضة بعض الماء والسكر لتشربه آبي. وبعد أن شربته كانت قد استيقظت بكامل نشاطها وكانت تركل بقدميها وتبتسم، وأرادت أن تجلس لتلعب بأصابع قدميها.

نظرت إليها الممرضة بيجي، وقالت ببساطة: “هاه، هذا أمر غير طبيعي.”

قلت في نفسي، “بالطبع ابنتي ليست طبيعية، إنها استثنائية!”

خرجنا من المستشفى في وقت متأخر من ذلك المساء، وعدنا إلى المنزل مع طفلتنا السعيدة. لعبت طوال الليل وتكلمت وضحكت كما لو أنها لم تذهب إلى المستشفى على الإطلاق. انتظرت بفارغ الصبر مكالمة من الطبيب لأعرف نتيجة فحص التصوير بالرنين المغناطيسي.

اتصلت الطبيبة كاثي في اليوم التالي، الجمعة 7 مايو.

أخبرتني أن ابنتي مصابة بمرض خلل تنسج الحاجز البصري Septo Optic Dysplasia (SOD) ، وهو مرض يصاحب عادة مرض “نقص تنسج العصب البصري” (ONH). على ما يبدو، لم يكتمل نمو عدة مناطق من دماغها بعد، وجزء واحد، وهو المسؤول عن إرسال الرسائل من دماغها إلى عينيها، لم يكن حتى موجودا. أخبروني أنه يتعين على أبيجيل رؤية طبيب مخ وأعصاب للأطفال وطبيب الغدد الصماء.

سيقرر طبيب مخ وأعصاب الأطفال درجة ضعف إبصارها، وما هي فرص نمو أعصاب عينيها. وسيقرر طبيب الغدد الصماء متابعتها طوال فترة طفولتها من حيث نموها وتطورها. غالبا ما يكون الأطفال المصابون بمرض خلل تنسج الحاجز البصري Septo Optic Dysplasia (SOD) ، مصابين أيضا بعدة اضطرابات أخرى تتسبب بالإعاقة الحركية والعقلية. كما أنها معرضة للإصابة بأحد أنواع سكري الأطفال الذي قد يجعلها مريضة باستمرار وغير قادرة على الخروج من المنزل.

لم نكن لنعرف مدى حدة إصابتها بكل هذه الأمراض حتى نحضر هذين الموعدين. ومع ذلك، فإن تلقي هذه المعلومات كان أقسى بمقدار الضعف من تلقي خبر أنها كانت عمياء. طوال تلك المرحلة، كنت أنا وزوجي نصلي وندعو الله أن تحدث معجزة. كنت أشعر بالحنق والغضب، لأنه بعد كل ما مررت به في حياتي، توقعت على الأقل أن يحظى أطفالي بحياة طبيعية. بعد الموعد الأول كنت غاضبة، وبعد موعد فحص التصوير بالرنين المغناطيسي كنت أشد غضبا. لمَ لمْ تتحقق المعجزة لابنتي؟!

الليلة الماضية، وبينما كنت ألاعب أبيجيل وأضاحكها، نظرت عميقا في عينيها الزرقاوان المشرقتان ورأيت روحها الجميلة من خلالهما. عندها أدركت أنها “هي” معجزتنا. علمت، بسبب ما مررت به في الماضي، أنني سأمتلك القوة والعطف والحب لأكون الأم التي تحتاج لها ابنتي في هذه الأرض.

سؤالي الوحيد الذي يساورني، لماذا منحني الله هذه الروح الشجاعة المقاتلة؟ فقط الأيام ستجيبني عن هذا السؤال.

<pأما في الوقت الراهن، سأحب ابيجيل وارعاها، فهي معجزتي.

لتتعرف أكثر على ابيجيل وأمها لواندرا، تفضل بزيارة مدونة لواندرا، عزيزتي آبي. ولكن يتعين علي تحذيركم من أن ابيجيل ستغمركم بجاذبيتها ولطافتها!

.Read this article in English