تبني طفل ضعيف البصر من الصين: قصتنا

Roberto family

عرض كل المقالات بالعربية

ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”

ماري آن روبرتو

عملت كمدرسة للأطفال المكفوفين معظم حياتي، ولكنني حقا لم أتوقع يوما ما أن أكون أما لولدين كفيفين. لقد علم هذان الطفلان عائلتي الكثير عن الحياة، وعن السعادة، وعن “رؤية” أهم ما في هذه الحياة. بدأنا رحلة التبني عام 2007، لنتبنى ابنتنا صوفي. وفي خضم استكمال الأوراق القانونية، وجدنا ملفا عن طفل صغير.

لا تهتم الكثير من العائلات الراغبة في التبني بالأطفال المكفوفين، وطفلنا شون لم يكن استثناء. لم تتقدم حتى عائلة واحد بطلب استعراض ملفه. جلس شون في الصورة متشبثا بيد الكرسي وثيابه ممزقة وقذرة، وتعلو وجهه الجميل نظرة جرو صغير مرتعب. انفطر قلبي وانا أفكر به، هذا الطفل الكفيف المحتاج للحب والتحفيز.

في ذلك الوقت، كانت هناك حالات يتم فيها حذف ملف الطفل الذي لا يتم استعراضه من قائمة الأطفال المعروضين للتبني. وإذا ما تم حذف ملف الطفل، فلن تكون هناك أي محاولة من قبل أي عائلة لتبنيه. لم نكن حينها قد غادرنا إلى الصين لإتمام اجراءات تبني صوفيا، وملف شون كان على وشك الاختفاء، ومع اختفاءه، تتلاشى كل فرص شين للحصول على عائلة للأبد. تحدثت مع زوجي عن شين. كنا قد عزمنا مسبقا على تبني طفل آخر بعد بضع سنوات، فلم لا نتبناه الآن؟ كادت وكالة التبني أن تطير فرحا عندما طلبنا استعراض ملف شين، وتمت الموافقة على طلبنا.

توقعنا أن تتأخر اجراءات شين بسبب فقده للبصر، ولكننا تفاجأنا بكل هذا القدر من التأخير. لقد كان شين في حاجتنا أكثر مما تصورت. احضرنا معنا للمنزل طفلا يعاني من صدمة حسية، ويحتاج إلى قدر كبير من الاهتمام والحب والرعاية. لقد اضطررنا أنا وزوجي وأولادي الأربعة إلى إعادة ضبط حياتنا للتوافق مع احتياجاته المعقدة. لم يمتلك شين أية مهارات مساعدة ذاتية تقريبا، لم يعرف كيف يمسك الملعقة، أو الجلوس على كرسي، أو فتح الباب. بدأنا من البداية، وغنينا الأغاني لكل الأعمال اليومية في المنزل بحيث يتسنى لشين جسر الهوة بين اللغتين الانجليزية والصينية. في البداية لم يقبل شين أن يغادر الغرفة، ولكن تدريجيا بدأ باستكشاف المنزل والعالم الخارجي.

أمضى شين معنا أكثر من 4 سنوات حتى اليوم، وطرأت عليه الكثير من التغييرات. لديه تأخر كبير في النمو، والقليل جدا من اللغة والكلمات التعبيرية، ولكنه جلب الكثير من السعادة والفرح لحياتنا. يعاني شين من تحديات لم نكن ندرك وجودها عندما تبنيناه، وتعين علينا تغيير أولوياتنا وتوقعاتنا. مرت علينا أيام وليالي صعبة بدت طويلة لا نهائية، ولكن عندما يلفني شين بذراعيه ليعانقني أو ليطبع قبلة على وجنتي، أعلم حينها أنه لا يوجد مكان أفضل لابننا للعيش فيه من منزلنا المحب. وبينما نستمر في مواجهة تحديات أكبر، يفزعنا مجرد التفكير في كيف كان حاله سيكون بدوننا.

إن فقدان شين لبصره ليس أكبر إعاقاته تحديا بالنسبة له. فعمى عينيه جزء مما هو عليه، ولكنه لا يؤثر عليه بالطريقة التي يظنها الناس. يستطيع شين تحديد موقعي في أي مكان من المنزل. يمكنه التنقل بين كل الغرف في المنزل، ويصعد الدرج ويهبط منه بدون الاستعانة بمقابض الدرج. قد يصطدم أثناء مشيه بالأشياء الملقاة على الأرض (وذلك يشمل كلابنا أيضا) ولكنه نادرا ما يتعثر أو يسقط. يمكنه إيجاد الأشياء التي سقطت منه، ويمكنه ان يتناول طعامه بنفسه، كما أنه يستخدم الآن لغة الإشارة للتعبير عن احتياجاته. يعرف شين كل فرد من أفراد عائلتي عبر حواسه الأخرى، وابتسامته تضيء الغرفة سعادة وفرحا. الحقيقة البسيطة هي أن الحياة مع شين معقدة ومرهقة، ولكنها غيرتنا جميعا بعدة طرق مختلفة، كما أنها فتحت قلوبنا لتبني فنسنت.

بصراحة لم نكن نتوقع أننا سنتبنى طفلا آخر بعد صوفي وشين، حتى رأينا ملف الطفلة التي أصبحت ابنتنا واسمها مياليج. في بداية عملية تبنيها، وقبل أيام من اجتماع النظر في مدى ملائمة ظروف منزلنا مع الاخصائي الاجتماعي، رأينا شريطا مسجلا لطفل صغير كان ينتظر التبني في نفس الميتم الذي جاءت منه مياليج. انحبست أنفاسي وأنا أشاهد هذا الصبي الصغير يضحك ويلعب مع مربياته. طفل كفيف بالكامل لإصابته بسرطان الشبكية. سرق وي بينغ شيان قلبي على الفور. طلبت من زوجي مشاهدة الفيديو، وأطرق صامتا لمدة دقيقة، ثم قال: “هذا ابني، يجب أن نذهب ونأتي به.”

إن سرطان الشبكية نوع نادر من السرطانات، والذي يبدأ من شبكية العين. وما ان يتم تشخيص الطفل بإصابته بهذا السرطان، يخضعونه لعدة جلسات من الكيماوي، وقد يقرر الأطباء في الحالات الصعبة إزالة العين من محجرها حتى لا ينتشر السرطان ويصل إلى الدماغ. يتذكر فنسنت أنه كان يرى في الصين، ولكن تم استئصال عينيه الاثنتين قبل بلوغه الثانية من عمره. يرتدي فنسنت الآن عينين اصطناعيتين. ويتمتع سرطان الشبكية بأعلى نسبة شفاء منه من بين كل السرطانات التي تصيب الأطفال (95-85%). اكملنا كل الفحوص الطبية عندما جاء فنسنت معنا لنتأكد أن السرطان قد زال تماما. إذا ما عاد السرطان إليه يوما، سنتعامل معه ضمن الموارد التي ستكون متاحة لنا حينها.

عندما أخذت فنسنت أول مرة لطبيب أورام العيون وكان يبلغ من العمر حينها خمسة سنوات، فاجأ جميع الأطباء هناك بإتقانه للغة الإنجليزية، وحس الدعابة لديه، وقدرته على تركيب عينيه ونزعهما بنفسه. وبينما كنا في انتظار الأطباء، سألني فنسنت ما إذا كان سيحصل على عينين صناعيتين جديدتين، فأجبته أنهم ربما يمنحونه عينين جديدتين عندما يكبر، ولكن ليس الآن. رفع رأسه إلي وقال: “لا، احتاج إلى عينين جديدتين الآن. أريد أن يعطيني الأطباء عينين جديدتين، عينين يمكنهما الرؤية والإبصار.” انفطر قلبي لسماع ما قاله. نظرت إلى وجهه الملائكي، وتعين علي إخباره الحقيقة. اخبرني بأنه يرغب في أن يتمكن من الرؤية مثل اخوته. اغرورقت عيناي بالدموع وأنا اخبره بأن الأطباء قالوا بأنه لن يتمكن من الرؤية، وبأن عينيه كانتا في حالة سيئة في الصين، وأنه يتعين استئصالهما ولذلك فإنه لن يتمكن من الرؤية ابدا.

لن يتمكن فنسنت من الرؤية كما نرى نحن، هذه حقيقة يتعين علينا جميعا مواجهتها والعيش معها. اتوقع أنه سوف يأسى على فقده لبصره طوال حياته، كما سآسى أنا عليه أيضا. وبينما يكبر فينسنت، سيتعلم بأن هناك أشياء قليلة جدا لن يتمكن من القيام بها، وبعض العوائق التي ستعترض طريقه والتي لن يتمكن من مواجهتها وتخطيها. سيرى الأشياء بقلبه وبصيرته، ولأنه لا يستطيع الرؤية، فإنه سيجعلنا نرى لأجله، وهذا من شأنه أن يثري حياتنا اثراء عميقا جدا. إن المستقبل مشرق أما فينسنت، وقدرته على القيام بأشياء كثيرة لا حصر لها ولا حد.

لقد أضاف فينسنت الكثير لعائلتنا المشغولة جدا. هو صبي صغير مفعم بالحياة، وكثير السؤال، وشديد الامتنان لحصوله أخيرا على حياة خارج الميتم. سافر زوجي وابنتي إلى الصين لاستكمال أوراق تبني فينسنت، وعندما غادرا الميتم أخبرهما المرشد أنهما سيتوجهان إلى مطعم ماكدونالد لتناول الغداء. كان فينسنت يتحدث بلغة المندرين الصينية بحماس وسعادة. وعندما سأله المرشد عن شعوره وهو ذاهب إلى مطعم ماكدونالد، أجابه فينسنت: “أنا سعيد لذهابي لتناول الغداء، ولكن أنا في غاية السعادة والفرح لمغادرتي الميتم.”

وخلال سنة واحدة من تبنيه، تعلم فنسنت ذو الستة أعوام الكثير، فهو يتحدث الانجليزية بطلاقة، ويستطيع الكتابة والقراءة بطريقة برايل في المستوى الأول، ويمشي ويتحرك بنفسه باستخدام العصا البيضاء. يتكلم فنسنت بلا انقطاع، ويطرح الأسئلة طوال الوقت. يريد أن يعرف “كل شيء عن العالم” كما يقول، ومتعطش دوما للمعرفة والخبرات الجديدة. يسرق فنسنت قلوب كل من يقابلهم من أول نظرة.

أما بالنسبة لشين، فإن فقده لبصرة ليست إعاقة لا تقهر أو لا يمكن التغلب عليها. فقد البصر أمر مزعج وغير مريح لفنسنت، ولكنه ليس إعاقة. يتعاظم شعوره بالحزن والانزعاج عندما لا يتمكن من المشاركة بالأنشطة التي يشارك بها غيره من الأطفال، إلى أن نعلمه كيف يقوم بها. يقود فنسنت دراجته، كما ويمتطي ظهور خيول جيراننا، ويمتلك مجموعته الخاصة من عصي الجولف، ويتلقى دروسا خصوصية في الجولف على يد مرافق محترف من رابطة محلية للاعبي الجولف المكفوفين. يبقينا فنسنت جميعنا مشغولين للغاية، وكل يوم يمر معه يجعلنا ندرك كم ثمينة هي الحياة. قال لي ذات يوم: “ماما، أتمنى لو كنت استطيع رؤية عينيك الزرقاوان … ولكنني أعلم بأنني استطيع رؤيتهما بقلبي.”

هناك تحديات فريدة من نوعها عند تربية طفل متبنى، وتربية طفل كفيف. عند الإعداد للتبني، تأكد من تلقيك كل التدريب المتاح عن التبني، على أن تشتمل مواضيع التدريب على الفصل، والفقد، والحزن والأسى، والارتباط، والتعلق، وتبني أطفال من ثقافات أخرى وذوي أعراق وأصول مختلفة، والاحتياجات الصحية، والانفتاح، والصدمات النفسية، وإعداد عائلتك وتهيئتها، والتفكير في التعليم والمدارس، والتخطيط للمستقبل وغير ذلك الكثير.
من المهم بالنسبة لك أن تكون مستعدا لكل ما هو غير متوقع، كما كان الحال معنا عندما تبنينا شين. إن مجموعات الآباء والأمهات على الانترنت مصادر مهمة لا تقدر بثمن للأمل والتشجيع والدعم، لذلك ابحث عنها قبل أن تقدم على التبني.

إن تربية طفل كفيف أو ضعيف بصر تمنحك القدرة على رؤية العالم من منظور مختلف، حيث يتعين عليك أن تصبح أنت عيني طفلك الكفيف. كم كانت تلك هبة عظيمة لعائلتنا أن نتمكن من الإمساك بقلوب وأيادي هاذين الصبيين الصغيرين وهما يخوضان غمار الحياة. لم تكن حياتنا لتكتمل بدونهما.

هذه مقتطفات من كتاب: لمسات أمل: قصص عائلات تبنت أطفال من ذوي الإعاقة البصرية من الصين تم إعداد هذا الكتاب الإلكتروني من قبل مؤسسة بيثيل تشاينا وهو عبارة عن قصص لعائلات تبنوا أطفالا من ذوي الإعاقة البصرية من الصين. كتب فيه الآباء والأمهات بصدق وبكلمات جميلة عن سبب وكيفية وما الذي يحدث بعد اتمام التبني.تسرد تلك العائلات أمثلة من الحياة الواقعية ويشاركون قصصهم وتجاربهم عن لقاء أولادهم وبناتهم للمرة الأولى، مرورا بتجربتهم مع النظام الصحي والتعليمي لهؤلاء الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية، وكيف تبدو الحياة بالنسبة لهم كعائلة. هناك 12 قصة أخرى في كتاب “لمسات أمل”، والذي يمكنك شراؤه من موقع أمازون.

.Read this article in English